بقلم : ياسر عبدالعزيز أبوعتيق
الرئيس التنفيذي لشركة أم القرى للتنمية والإعمار المالك والمطور والمشغل لوجهة مسار
أقف اليوم وزملائي في شركة أم القرى للتنمية والإعمار أمام وجهة تترامى أطرافها على امتداد 3.6 كيلومترات مربعة في قلب العاصمة المقدسة، وعلى بُعد 500 متر فقط من ساحات الحرم المكي الشريف، ودائمًا ما تحدثني نفسي بعظيم العمل الذي نقف عليه وأهميته لهذا الوطن المعطاء وقيادته الكريمة، التي قطعت على نفسها عهدًا بخدمة الحرمين وضيوف الرحمن من كل مكان، وجهة نصنعها بحب وإتقان وفق أحدث الممارسات العالمية لصناعة الوجهات، ونحن إذ نصل اليوم إلى المراحل النهائية من أعمال المقاول الرئيسي للبنية التحتية، أجد نفسي وفريق العمل أمام مرحلة نخلع بها عباءة التطوير العقاري التقليدي، الذي ينتهي دوره غالبًا بانتهاء أعمال التشييد والبناء دون التفعيل والمتابعة اللاحقة، لنحمل عصا المايسترو صانع الوجهات، الذي يتجلى دوره في هذه المرحلة التي أحب أن أسميها ببساطة "مرحلة اللمسات الأخيرة"، وقد تبدو اللمسات الأخيرة للطف معناها عزيزي القارئ مرحلة يسيرة، ولكنها لصانع الوجهة هي المرحلة الأكثر تعقيدًا، فأن يتحول اهتمامك من الإنشاء والبناء (الأسمنت والحديد) ليدور جُل ما تفعله حول الضيف ورحلته وكيفيّة استخدامه المرافق والمنشآت، وكيف ستترك أثرها على تجربته في أطهر البقاع، فهذا عالم آخر من الأعمال.
وأن ننتقل بالشركة من المالك والمطور إلى المُشغِّل للوجهة يعني أن يصبح هذا الضيف واحتياجاته ورضاه وسلاسة تجربته أهم مسؤولياتنا، ولذلك عملنا على هيكلة منظومة تكاملية بدأت بأعمال استقطاب الاستثمارات ورؤوس الأموال من نُخبة من المستثمرين المؤسساتيّين في المملكة أصحاب الخبرات التراكمية في القطاعات المحورية (وما زالت الهمة مستمرة والأبواب مفتوحة للمزيد من الفرص الاستثمارية)، والآن انتقلنا إلى مرحلة استقطاب الشراكات الرائدة في إدارة وتشغيل وتفعيل المرافق العامة، لتكون جزءًا من قصة النجاح التي نرسم من خلالها، مع مستثمرينا، المسار نحو مستقبل مكة المكرمة.
فنظافة الطريق والمرافق، وأمن وسلامة الضيف عن طريق مراكز المراقبة المركزية، والخدمات المتنوعة التي تضمن له تجربة غير مماثلة كمواقف السيارات الذكية والحافلات الترددية الكهربائية واللوحات والخرائط الإرشادية باللغات المتعددة، ومراكز المعلومات وخدمات الزوار والتطبيقات الذكية، بالإضافة إلى المرافق الحيوية الأخرى، ولا أنسى هنا تدريب الكوادر الوطنية وتأهيلها للقيام بمهمة خدمة ضيوف الرحمن، كلها جزء من أساسيات المرحلة.
ومع أنها اللمسات الأخيرة، فإنها رحلة طويلة تحمل في طياتها الكثير من التفاصيل الدقيقة، ولذلك حرصنا على تجزئة الافتتاح لعدة مراحل من أجل ضمان سلاسة التجربة في كل مرحلة، وما زلنا على عهدنا بأن نترك الأثر في تجربة زوار مدينة مكة وسكانها. فنحن لسنا في صناعة الطرقات والمرافق والبنى التحتية فقط، بل في صناعة يخدم بها المكان احتياجات الإنسان وتطلعاته ويثري تجربته، متّبعين بها نهج اقتصاد التجربة الحديث الذي تزداد عوائده طرديًّا كلما زاد رضا الضيف.
ولتبسيط هذا المفهوم الحديث عزيزي القارئ دعني أصحبك عبر الزمن في رحلة فنجان القهوة، ففي حقبة الاقتصاد الزراعي زُرع البُن وبيعت محاصيله، وفي حقبة الاقتصاد الصناعي حُمِّص البن وغُلِّف وبيعت منتجاته، واليوم في حقبة اقتصاد التجربة تُباع تجربة فنجان القهوة (التي تحقق أعلى قيمة اقتصادية مضافة) في بيوت متخصصة تعدك بأن تغمر تجربة الفنجان والمكان جميع حواسك، وهنا أتمنى أن يجمعنا قريبًا في وجهة مسار فنجان قهوة يغمر حواسنا في حب مكة.